أيها الاخوة
عِبَارَة قَرَأْتُهَا كَثِيْرَا فِي أَكْثَر مِن مُنْتَدَى ، وَفِي أَكْثَر مِن تَوْقِيْع ، وَمَرّت بِي الْعِبَارَة كَثِيْرا-وأنا أشم فيها رائحة غريبة !
إَلَا أَنَّهَا اسْتَوْقَفَتْنِي اليوم حين وجدتها فى أحد المنتديات الاسلامية المعروفة فى صدر الصفحة الرئيسة فعقدت العزم على البحث فى صحة هذه المقولة ، :
لَا تَقُل : يَا رَب عِنْدِي هـم كَبِيْر ، وَلَكِن قُل : يَا هـم عِنْدِي رَب كَبِيْر !
فَتَذَّكَّرُت شَكْوَى نَبِي الْلَّه يَعْقُوْب عَلَيْه الْصَّلَاة وَالْسَّلَام ، حِيْنَمَا بَث حُزْنِه وْشَكْوَاه إِلَى الْلَّه ، فَقَال : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الْلَّه ) .
قَال ابْن كَثِيْر فِي تَفْسِيْر الْآَيَة : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي) أَي : هَمِّي وَمَا أَنَا فِيْه (إِلَى الْلَّه) وَحْدَه . اهـ .
وَقَال ابْن عَادِل الْحَنْبَلِي : وَالْبَث : أَشَد الْحُزْن ، كَأَنَّه لِقُوَّتِه لَا يُطَاق حَمْلُه . اهـ .
وَقَال الْقَاسِمِي : أَي : لَا أَشْكُو إِلَى أَحَد مِنْكُم وَمِن غَيْرَكُم ، إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى رَبِّي دَاعِيا لَه ، وَمُلْتَجِئا إِلَيْه ، فَخَلَّوْنَي وَشِكَايَتِي . ( وَأَعْلَم مِن الْلَّه ) أَي : لِمَن شَكَا إِلَيْه مِن إِزَالَة الشَّكْوَى ، وَمَزِيْد الْرَّحْمَة : ( مَا لَا تَعْلَمُوْن ) مَا يُوَجِّب حُسْن الْظَّن بِه ، وَهُو مَع ظَن عَبْدِه بِه . اهـ .
وَوَقَفْت مَع شَكْوَى الْمُجَادِلَة .. (قَد سَمِع الْلَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الْلَّه) ، وَفِي بَعْض الْآَثَار : " قَالَت : أَشْكُو إِلَى الْلَّه فَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَوَحْشَتِي وَفِرَاق زَوْجِي " .
فَالْهَم الْعَظِيْم لَا يُشْكَى إَلَا إِلَى الْلَّه ؛ لِأَنَّه لَا يَكْشِفُه إِلَا الْلَّه .
فَشَكُوى الْهـم إِلَى الْلَّه مَشْرُوْعَة ، بَل هِي مَطْلُوْبَة شَرْعا ..
وَجاء عن بعض السلف قول أحدهم : أَشْكُو إِلَى الْلَّه عُجَرِي وَبُجَرِي .
قَال الْأَصْمَعِي : يَعْنِي هُمُوْمِي وَّأَحْزَانِي .
قَال أَبُو إِسْحَاق الْشِّيْرَازِي :
لَبِسْت ثَوْب الْرَّجَا وَالْنَّاس قَد رَقَدُوا *** وَقَمِت أَشْكُوْا إِلَى مَوْلَاي مَا أَجـد
وَقُلْت يَا أَمَلـي فـي كـل نَائِبـة *** وَمَن عَلَيْه لِكَشْف الَضـر أَعْتَمِد
أَشْكُو إِلَيْك أَمـوّرَا أَنـت تُعَلِّمُهـا *** مَا لِي عَلَى حَمْلِهَا صَبْر وَلَا جَلـد
وَقَد مَدَدْت يَدِي بَالـذُّل مُبْتُهـلَا *** أَلَيِك يَا خَيْر مَن مـدَّت أَلِيـه يـد
فـلَا تَرُدُنّهـا يـا رَب خِائـبـة *** فَبَحْر جَوْدِك يَرْوِي كُل مـن يـرِد
وَلَا يَعْنِي هَذَا أَن لَا يُشْكَى إِلَى غَيْر الْلَّه ؛ لِأَن فِي الشَّكْوَى تَخْفِيْفا وَتَسْلِيَة ..
" وَهَذَا مَا لَم يَكُن الـتشكِي عَلَى سَبِيِل الـتَسَخط ، وَالْصَّبْر وَالتَّجَلُّد فِي الْنَّوَائِب أَحْسَن ، وَالتَعْفّف عَن الْمَسْأَلَة أَفْضَل ، وَأَحْسَن الْكَلَام فِي الشَّكْوَى سُؤَال الْمَوْلَى زَوَال الْبَلْوَى " كَمَا قَال الْقُرْطُبِي .
وَرُبَّمَا شَكَا الْصَّحَابَة الْكِرَام رَضِي الْلَّه عَنْهُم إِلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بَعْض مَا يَجِدُوْن ..
قَال خَبَّاب بْن الْأَرَت رَضِي الْلَّه عَنْه : شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَهُو مُتَوَسِّد بُرْدَة لَه فِي ظِل الْكَعْبَة .. رَوَاه الْبُخَارِي .
وَقَال رَضِي الْلَّه عَنْه : شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم الصَّلَاة فِي الْرَّمْضَاء فَلَم يُشْكِنَا . رَوَاه مُسْلِم .
وَفِي الْمُسْنَد : قَال الْزُّبَيْر بْن عَدِي : شَكَوْنَا إِلَى أَنَس بْن مَالِك مَا نَلْقَى مِن الْحَجَّاج ! فَقَال : اصْبِرُوَا فَإِنَّه لَا يَأْتِي عَلَيْكُم عَام - أَو يَوْم - إِلِا الَّذِي بَعْدَه شَر مِنْه ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُم عَز وَجَل . سَمِعْتُه مِن نَبِيِّكُم صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم .
قَال أَبُو طَلْحَة رَضِي الْلَّه عَنْه : شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم الْجُوْع .. رَوَاه الْتِّرْمِذِي .
وَقَال الْحَارِث بْن يَزِيْد الْبَكْرِي : خَرَجْت أَشْكُو الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِي إِلَى رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم .. رَوَاه الْإِمَام أَحْمَد .
وَفِي حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة رَضِي الْلَّه عَنْه قَال : جَاء رَجُل إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم يَشْكُو جَارَه ... رَوَاه أَبُو دَاوُد .
وَعِنْد الْبُخَارِي مِن حَدِيْث عَدِي بْن حَاتِم رَضِي الْلَّه عَنْه قَال : كُنْت عِنْد رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَجَاءَه رَجُلَان ؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة ، وَالْآخَر يَشْكُو قَطْع الْسَّبِيل ...
وَالْعَيْلَة -بكسر العين-: هِي الْفَقْر .
قَال الْقُرْطُبِي فِي تَفْسِيْرِه : فَأَمَّا الشَّكْوَى عَلَى غَيْر مُشْك فَهُو الْسَّفَه ، إِلَا أَن يَكُوْن عَلَى وَجْه الْبَث وَالـتَّسَلِّي . اهـ .
وَعَلَى كُل
فَإِن قَوْلَهُم : " لَا تَقُل : يَا رَب عِنْدِي هـم كَبِيْر ، وَلَكِن قُل : يَا هـم عِنْدِي رَب كَبِيْر " ، وَإِن كَان مَا قَصَدُوْه وَاضِحا ،والظاهر النية الطيبة إن شاء الله لكن هى العادة فى ترديد وتقليد الكلمات مع عدم التوقف والتدقيق فى الكلمات ومعناها الشرعى إِلَا أَن قَوْلَهُم : " لَا تَقُل : يَا رَب عِنْدِي هـم كَبِيْر " ، مُتَضَمِّن لِعَدَم شَكْوَى الْهَم إِلَى الْلَّه .. وَهَذَا خِلَاف الْمَشْرُوْع مِن شَكْوَى الْهَم إِلَى الْلَّه الَّذِي بِيَدِه مَفَاتِيْح الْفَرَج ..أحببت أن أنبه على هذا------------ وفقنا الله وإياكم لكل خير