صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 14 المحرم 1432 – 20 ديسمبر 2010
أسلحة الجيش للبيع – فهمي هويدي
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وشيوع الفوضى في أرجائه،دأبت بعض الصحف على نشر إعلانات لبعض السماسرة والعسكريين السابقين تعرض للبيع دبابات وصواريخ وطائرات مختلفة الأحجام والأصناف.
وهذا الذي حدث -وأدهشنا- قبل نحو عشرين عاما تكرر هذه الأيام على نحو أكبر وأبعد بكثير في النمسا.
ذلك أن الحكومة عرضت للبيع في الأسبوع الماضي 500 دبابة ومئة مدفع ثقيل وسبعة مبان يملكها الجيش النمساوي. ولم تشترط في ذلك سوى أن يتم البيع لجهات معروفة دون وسطاء. وذلك خشية أن تقع تلك الأسلحة في أيدى مرتزقة أو تجار سلاح في السوق السوداء.
عملية البيع هذه يبدو أنها تجد رواجا ومنافسة بين بعض الدول الأوروبية التي أصبحت تعتبر الجيوش وتسليحها وعتادها عبئا اقتصاديا يثقل كاهلها في الظروف الراهنة، إلى جانب أن الأوروبيين أصبحوا يستشعرون قدرا من الاستقرار والدعة، أصبحوا يستشعرون في ظلها أن احتمالات الحرب صارت منعدمة، فليس لديهم أعداء يهاجمونهم، كما أنهم لا يتوقعون اعتداء من أحد. من ثم فلم تعد هناك حاجة ملحة لا للاحتفاظ بالجيوش ولا للإنفاق على أسلحتها ومستلزماتها تلك الأموال الطائلة، التي سيكون عائدها أجدى وأربح لو أنها أنفقت في خدمة المواطنين ولصالحهم.
ذلك ما حدث في النمسا، التي اتجهت إلى تقليص عدد الجيش وعدته، بعدما أعلن وزير دفاعها أنه لم يعد مقتنعا بفكرة أن تحتفظ بلاده بجيش عرمرم في حين أنها دولة محايدة -حسب دستورها- منذ عام 1955.
ولكي يعزز رأيه، ذكر أن ميزانية الجيش تكلف دافع الضرائب 1 و2 مليار يورو سنويا، إذا استثمرت لصالح أية مشروعات اقتصادية منتجة تحتاجها النمسا، لتحقق من وراء ذلك خيرا كثيرا ينفع الناس ويسهم في النهوض بالمجتمع.
في الوقت ذاته، أعلنت ثلاثة أحزاب رئيسية، بما فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم تأييدها إجراء استفتاء حول موضوع آخر وثيق الصلة بتقليص الجيش وبيع أسلحته، يتمثل في مستقبل نظام الخدمة العسكرية الإجبارية الذي يلزم الشبان بالانخراط في الجيش "لخدمة العلم". وهو ما يتطلب سنويا استدعاء 46 ألف شاب نمساوي بعد إكمالهم مرحلة التعليم الثانوي، وأحيانا الجامعي، لإجراء الفحوص الطبية اللازمة عليهم لمدة يومين.
وذلك بهدف انتقاء 25 ألفا منهم لتمضية ستة أشهر في تدريبات عسكرية، في حين يوجه الآخرون لتمضية الفترة ذاتها في تقديم الخدمات الاجتماعية.
فكرة تقليص الجيوش جاءت لاحقة لفكرة خصخصة الحروب لدى بعض الدول. وتتلخص في أن تحتفظ الدول بجيوشها وتتعهدها بالرعاية ورفع الكفاءة. في حين تتعاقد مع شركات القطاع الخاص للقيام بالحروب الصغيرة والمهام القذرة.
وهذه الشركات يديرها سماسرة وضباط متقاعدون، وتضم أعدادا من الجنود المرتزقة (أغلبهم مسرحون من الجيوش النظامية ومن المجرمين الهاربين وأرباب السوابق).
وهؤلاء الجنود مدربون على الاقتحام والعنف ويتمتعون بلياقة بدنية عالية، ويتقاضون أجورا باهظة، لأن العمليات التي يقومون بها تعرض حياتهم للخطر.
تقوم هذه الشركات أو المنظمات بالعمليات القتالية المطلوبة لصالح الدولة أو الجهة الممولة، وهؤلاء المرتزقة كان لهم إسهامهم في بعض الانقلابات التي حدثت في القارة الإفريقية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية استعانت ببعض شركاتهم بعد احتلال العراق وغزو أفغانستان.
وتولت وزارة الدفاع إبرام العقود معها، ودفعت لقاء ذلك ملايين الدولارات، حيث أطلقت يدها في أن تفعل ما تشاء من جرائم بحق الأهالي، حتى كانت لها معسكراتها وسجونها الخاصة. والقصص التي تروي الآن عما فعلته منظمة "بلاك ووتر" في العراق يشيب لها الولدان، وبعض جرائمها وصلت إلى ساحات المحاكم.
ومن وجهة النظر الأمريكية، فإن جيوش المرتزقة الخاصة تقوم بمهامها وتتحمل وحدها المسئولية عنها، وتتلقى مقابل ذلك ما تشاء من أموال.
أغلب الظن أن ذلك التراجع في دور الجيوش بما في ذلك خصخصة الحروب يعد بمثابة مرحلة انتقالية تسبق التحول من حروب الجيوش النظامية إلى الحرب الإلكترونية، التي تستخدم فيها التقنيات الحديثة في تخريب مرافق "العدو" وشل حركته، ومن ثم هزيمته واضطراره إلى التسليم دون أن تطلق قذيفة أو تسيل أي دماء، لكن تلك لغة عالم آخر لا علاقة لنا به في الأجل المنظور على الأقل.
..........................